ورودُ اسم ( المهيمن ) في القرآن الكريم :
هذا الاسم ، لم يرِد إلا في القرآن الكريم ، وفي موضع واحد ، في قوله تعالى :
( سورة الحشر الآية : 23 ) {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ }
ولم يرِد في السنة .
2 – معنى ( المهيمن ) لغةً :
( المهيمن ) اسم فاعل اشتقاقاً ، واللغة العربية من أرقى اللغات ، لغة التصريف ، هناك جد وله أحفاد ، عندنا مصدر ، وفعل ماض ، وفعل مضارع ، و أمر ، واسم فاعل ، واسم مفعول ، واسم مكان ، واسم زمان ، واسم آلة ، واسم تفضيل ، وصفة مشبهة باسم الفاعل ، فهي أُسرة ، و( المهيمن ) اسم فاعل مِنَ الفعل هيمن يهيمن هيمنة .
المعاني الشرعية لاسم ( المهيمن ) :
1 – الرقيب الشهيد :
ما ( المهيمن ) ؟ هو الرقيب ، الشهيد
( سورة طه )
الذي لا يخفى عليه شيء لا في الأرض ولا في السماء ، يعلم الظاهر والباطن ، يعلم ما تعلم ، وما لا تعلم ، يعلم ما تعلم ، وما خفي عنك ، يعلم دقائق الأمور ، يعلم سريرتك ، ويعلم علانيتك ، يعلم نياتك ، ويعلم خواطرك .
بل لن تكون أنت أيها الإنسان مهيمناً في مكان ما إلا إذا توافرت لك معلومات دقيقة عن كل شيء ، فمن لوازم الهيمنة دقة المعلومات ، وأي إنسان يتخذ قرارًا قبل أن تكون له معلومات دقيقة فالقرار في الأعم الأغلب يكون خاطئاً .
2 – العليم بكل شيء :
إذاً : من معاني ( المهيمن ) أنه يعلم كل شيء ، يعلم ما كان ، ويعلم ما يكون ، ويعلم ما سيكون ، ويعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون ، فهو رقيب ، شهيد ، سميع ، بصير ، يعلم خواطرك ، يعلم ما غاب عنك ، ويحول بينك وبين قلبك ، يعلم السريرة ، يعلم العلانية ، يعلم ما في خلوتك ، ويعلم ما في جلوتك ، يعلم ما تبطن وما تعلن ، ما تخفي وما تنوي ، هذا من لوازم ( المهيمن ) ، فهو علمٌ مطلق .
( سورة الحجرات )
ويكفي أن تعلم أن الله يعلم كي تستقيم على أمره ، يكفي أن الله يعلم كي تستحي منه .
(( اسْتحْيُوا مَنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَياءِ ، قُلنا : إنَّا لَنسْتَحيي من اللَّه يا رسولَ اللَّه والحمدُ للَّه ، قال : لَيس ذَلِكَ ، ولكنَّ الاسْتِحياءَ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَياءِ : أنْ تَحْفَظ الرَّأْسَ ومَا وَعى ، والْبَطْنَ ومَا حَوى ، وتذْكْرَ المَوتَ والبلى )) .
[ أخرجه الترمذي عن عبد الله بن مسعود ]
يكفي لاسم ( المهيمن ) أن يعلم ، هو يعلم علماً مطلقاً ، يعلم الظاهر والباطن ، يعلم ما تعلم وما لا تعلم ، يعلم ما تعلم وما خفي عنك ، لا تخفى عليه خافية .
3 – القادر على كل شيء :
ومن معاني اسم ( المهيمن ) القدرة ، يعلم ويقدر ، والقدرة لها معنيان ، القدرة علم وقوة ، قد تعلم وأنت ضعيف ، لا تملك أن تفعل شيئاً ، وقد تكون قوياً وأنت لا تعلم ، بنو البشر منهم من يعلم وهو ضعيف ، ومنهم لا يعلم وهو قوي ، لكن الله عزوجل هو ( المهيمن ) ، فضلاً عن أنه يعلم كل شيء ، يعلم كيف يعالجك .
فالله عز وجل فضلاً عن أنه يعلم العلاج ، يعلمه علماً ، ويملكه قدرة ، إذاً : هو سبحانه ( المهيمن ) بالقدرة التامة على تحقيق مصالح من يهيمن عليه ، فأنت قد تعلم ، وقد تقدر ، أما المصير فليس بيدك ، لكن الله يعلم ، ويقدر ، وعلمه وقدرته مستمران ، والمصير بيده .
( سورة الشورى )
هذا العلم الشمولي ، يعلم ، ويحقق مصالح الذي يهيمن عليهم تحقيقاً تاماً ، عن طريق علم دقيق ، وقدرة بالغة ، ثم المصير بيده ، والمآل إليه .
معنى ذلك أن الله ( المهيمن ) لا نهاية لعلمه ، ولا نهاية لقدرته ، ومصير كل شيء إليه ، هذا الإله العظيم ألا يخطب وده ؟ ألا ترجى جنته ؟ ألا تخشى ناره ؟
إلى أنت باللذات مشغول وأنت عن كل ما قدمت مسئول
﴿ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ﴾
مصيرنا إليه .
إذاً : الله ( المهيمن ) ، أي لا نهاية لعلمه ، ولا نهاية لقدرته ، ومصير كل شيء إليه .
4 – المهيمن هيمنة شفقةٍ ورحمةٍ :
هيمنة الله على خلقه لأنه رحمن رحيم و هيمنة الله عز وجل هيمنة رحمة ، لأنه ارحم بنا بأنفسنا ، ولأن النبي عليه الصلاة والسلام أقرب الخلق إليه فهو أرحم الخلق بالخلق .
إذاً : من المعاني الفرعية لاسم ( المهيمن ) الحب والشفقة .
5 – المحافِظُ على المهيمَن عليه :
.
المعنى الثاني المحافظة على المهيمَن عليه ، ضبط كل شيء ، أنت حينما ترى أن الله يتابعك ، وأن الله يحاسبك ، وأن الله يعاقبك أحياناً ، هذه هيمنة ، هيمنة حرص ، وهيمنة محبة ، وهيمنة رحمة .
6 – مَن كان مع ( المهيمِن ) كان المنتصِرَ :
الآن من معاني ( المهيمن ) أن الذي مع ( المهيمن ) هو المنتصر ، الله عز وجل وهو ( المهيمن ) قال :
( سورة البقرة الآية : 276 ) .
فإذا كنت مع ( المهيمن ) طائعاً فمالك محفوظ ، لأنك ابتعدت عن الربا ، والذي لم يعبأ بها الأمر سوف يدمر ماله ، فإذا كنت مع ( المهيمن ) فأنت المنتصر ، الله عز وجل وعدك بحياة طيبة ، فإذا أطعته فلك الحياة الطيبة ، والذي لم يعبأ بأمر ( المهيمن ) ، ولم يستقم على أمره فله معيشة ضنك ، فأنت حينما تكون مع ( المهيمن ) فلك النصر ، ولك التوفيق ، و لك المستقبل
( سورة الانشقاق )
أما المؤمن :
( سورة الانشقاق )
الهيمنة من معانيها الكبرى العلم ، والقدرة ، والمصير ، علم وقدرة ، ومصير ، من معانيها الفرعية : الشفقة والرحمة ، والأمانة والضبط ، ثم الاستمرار والنصر .
بعضهم شبه الهيمنة كطائر يطير حول أفراخه ، يحفظهم من كل عدوان ، يؤمِّن لهم طعامهم ، وشرابهم ، وعشهم ، ويراقبهم ، هذا المعنى دقيق جداً كهيمنة الطائر على فراخه .
7 – ( المهيمِن ) يأمَن المخلوق من الخوف :
شيء آخر ، ( المهيمن ) قوي ، ولأنه قوي أمِن مَن حوله من الخوف .
( سورة طه ) .
إذاً : ( المهيمن ) من يأمن غيره ، وهذا يلتقي مع اسم المؤمن ، ( المهيمن ) يأمن من يهيمن عليه .
لاحظ ابنًا مع أمه ، مطمئن ، ما عنده مشكلة إطلاقاً ، يشعر بالأمن ، لأن أمه حريصة عليه حرصاً لا حدود له .
تعرُّض المؤمنين للبلاء من حكمةِ ( المهيمِن ) :
عندنا حالة لا بد من أن تعالج ، إنْ ترَك ربنا ( المهيمن ) بعضَ المؤمنين للبلاء ، أو عدو ، أو ظالم ، أو مسيطر ، لمَ ؟ لحكمة بالغةٍ بالغة ، علِمها مَن علِمها ، وجهلها مَن جهلها ، الآية :
( سورة إبراهيم )
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً ﴾
تتوهمه غافلا ، وهو ليس :
﴿ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾
لولا أن الله في وهم بعض الناس يتغافل لما كُشف الإنسان .
.
إذاً : الآية دقيقة جداً ، بمعنى أنه لا يمكن أن يأتي نهي لشيء مستحيل ، هل يمكن أن يصدر قرار بعدم إطفاء الشمس مثلاً ! هذا كلام مضحك ، لأنه شيء مستحيل .
من لوازم النهي أن يكون المنهي عنه قابلاً للفعل ، الله عز وجل ينهى :
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ﴾
لأن معظم الناس الآن يتوهمون أن الله غافل ، يقول لك : أين الله ؟ شعوب إسلامية تُقتل ، تؤخذ ثرواتها ، يُقتل أبناؤها ، أين الله ؟ يتوهمه غافلاً :
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾
فهذا التغافل لا يتناقض مع ( المهيمن ) ، لحكمة بالغة ، لأن الله عز وجل خلقنا ليمتحننا .
( سورة المؤمنون ( المهيمن ) هو المحيط بالعالمين ، مهيمن بقدرته على الخلائق أجمعين ، محيط بالعالمين ، مهيمن بقدرته على الخلائق أجمعين ، وهو على كل شيء قدير ، وكل شيء إليه فقير ، وكل أمر عليه يسير ، ولا يعجزه شيء ، ولا يفتقر إلى شيء .
( سورة الشورى )
أنت تعظم ( المهيمن ) ، إذا عبدت الله فأنت مع ( المهيمن ) ، يقول لك : يا أخي دولة عظمى ! تملك أسلحة نووية ، وأقمارًا صناعية ، وأموالا طائلة ، و جيشًا مخيفًا ، و أسلحة فتاكة ، إذا كنت مع ( المهيمن ) فأنت المنتصر .
إذاً : ( المهيمن ) محيط بالعالمين ، مهيمن بقدرته على الخلائق أجمعين ، هو على كل شيء قدير ، وكل شيء إليه فقير ، وكل أمر عليه يسير ، ولا يعجزه شيء ، ولا يفتقر إلى شيء :
﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾
أنت تعتز بالله عز وجل ، أعداءك الأقوياء بيد الله عز وجل ، في قبضته ، الآية واضحة :
( سورة هود )
و ( المهيمن ) هو الرقيب على كل شيء ، والحافظ له ، والقائم عليه ، رقيب وحافظ ، وقائم .
( سورة المائدة الآية : 48 )
كتابنا الكريم مهيمن على كل الكتب السابقة ، لأنه آخر الكتب وخاتمها ............ أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يفتح علينا بأسرار أسمه المهيمن ..يامهيمن زج روحي في بحار الجود ورقها بلا حدود يامهيمن ....بارك الله فيكم