اللهم صلّ على محمد وآل محمد
فهل يكفي ان نعظم القرآن في نفوسنا لأنه معجزة الله الكبرى؟
أم هل يكفي أن نتلو القرآن في شهر رمضان ونختمه في منتصف الشهر وفي آخره؟!
كل ذلك صحيح، فينبغي تعظيمهُ وتلاوته آناء الليل وأطراف النهار وخصوصاً
في شهر رمضان، كونه الشهر الذي أنزل فيه القرآن وليلة القدر عيد ميلاده
وكل الأعمال في شهر رمضان مباركة ومضاعفة.
ولكن السؤال المهم هو كيف تحقق بالقرآن الكريم كلّ تلك الاهداف والغايات العظيمة؟
والقرآن الكريم يقول: (وننـزّل من القرآن ما هو شفاء ورحمةٌ للمؤمنين)
فكيف نجعل منه ذلك الدواء النافع لنا؟ فاذا كنا جادين في التعامل مع القرآن
فإن علينا ان نتّبع التوصيات التالية:
أولاً: لابد أن نعقد العزم وننوي أن نغيّر انفسنا بالقرآن، ونطلب من الله سبحانه
بصدقٍ واخلاص أن يزيدنا هداية وبصيرة بعيوبنا، لأن مهمة القرآن الاولى للبشرية
هي تزكية النفوس (يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة).
ثانياً: ان نقترب اكثر من القرآن بحيث نجد لذة وحباً عند تلاوته وأن نقرأه باسلوب
خاشع مؤثر في النفوس، فرسول الله (ص) يقول: "اقرأوا القرآن بلحنٍ حزين فانه نزل بالحزن".
ذلك اسلوب الحزن يحرك عواطف الإنسان، مما يجعل المقرئ والمستمع أكثر
تفاعلاً مع التلاوة، لأن النفوس بحاجة إلى اشارة نحو الخير والقرآن أساساً يستخدم
اسلوب خطاب النفس من الداخل حتى تتحرك نحو الخيرات وتنـزجر عن السيئات.
وبما ان النفس البشرية ضعيفة وتتلوث بالذنوب وان الدنيا تنال من نفس الانسان
وان الغفلة تؤدي الى قسوة القلب، فمن هنا تأتي ضرورة تمتين العلاقة الروحيّة
بالقرآن الكريم، فرسول الله (ص) يوجهنا إلى علاج مثل هذه الأمراض بتلاوة القرآن
فقد قال (ص) في هذا المجال: "ان القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد
قيل يا رسول الله فما جلاؤها؟ قال: تلاوة القرآن".
ثالثاً: كل فرد يجب ان يعتبر القرآن خطاباً موجهاً له وان الأيات تعنيه بالتحديد حتى
يستعد لتنفيذ ما أمره به واجتناب ما نهاه عنه، فإذا قال القرآن: (ولايغتب بعضكم بعضاً)
يجب أن يسلّم وينفذ وإذا قال: (إنما يخشى الله من عباده العلماء)
فيجب ان يفكر في نفسه ما هي الخشية وكيف يخشى الله.
رابعاً: التدبر والتذكر : فمن الغايات الاساسيّة لنـزول القرآن للبشر هو تدبر آياته
من أجل الانتفاع ومداواة علل النفس، وهكذا المؤمن ينبغي أن يكون ديدنه
التفتيش عن أمراضه، وأميرالمؤمنين عليه السلام يعلمنا هذا المنهج
فيقول في خطبة المتقين في نهج البلاغة:
"وأما الليل فصافون أقدامهم تالين لاجزاء القرآن يرتلونه ترتيلا، يحزنون به
أنفسهم ويستثيرون به دواء دائهم".
ولكن كيف نتذكر به ونحن لانفهمه فهماً عميقاً؟ ولكي نصل إلى هذا المستوى
من العلاقة مع القرآن لابد أن نصل إلى مستوى التدبر فيه والقرآن يجعل التدبر
الهدف الاول قبل التذكر فيقول: (كتاب انزلناه اليك مباركاً ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب).
خامساً: كسر الاقفال : ذا وجدنا انفسنا لانقترب من كتاب الله ونحن نقرأه باستمرار
فهذا يعني اننا لا نزال بعيدين عنه وان قلوبنا لم تتسرب اليها أمواج النور واننا لم
نصل الى مستوى الحب والتلذذ بتلاوة كتاب الله والتدبر في آياته، فكيف نصل إلى
مستوى التسليم والتصديق إذا كنا كذلك؟
من هنا تأتي ضرورة الصراحة مع النفس والوقفة والمحاسبة والبحث عن الاسباب
والامراض التي أدّت الى ذلك.
وفي القرآن نجد الجواب على هذه التساؤلات يقول تعالى: (افلا يتدبرون القرآن
ام على قلوبٍ اقفالها)، وإذا ما عرفنا ان (الاقفال) هي العائق امام تمتين العلاقة
مع القرآن الكريم، فينبغي كسرها في النفوس وازالتها كالكبر والجهل والهوس والشك
وكل ظلم في النفس حتى نصل الى مستوى التفاعل الحي مع القرآن الكريم