القرآن الكريم كلام الله تعالى، وهو معجزة نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، فلكل نبي معجزة.. وقد خصَّ الله تعالى نبيه بمعجزة القرآن الذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}.
والقرآن العظيم كله بركة وخير.. تلاوته بركة وأجر وعبادة، ففي كل حرف من حروفه وكما دلَّت السنَّة حسنة إلى أضعاف كثيرة وتدبُّر القرآن طاعة واستجابة {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} والعمل بالقرآن هدى ورشاد وحصانة من الضلال (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي).
ومن بركة القرآن الاستشفاء به فقد رقى جبريل وميكائيل النبي صلى الله عليه وسلم حينما سُحر ب (قل هو الله أحد والمعوذتين)، وهكذا رقى الصحابي أمير القوم الملدوغ بسورة الفاتحة عشر مرات فبرأ كأن لم يصبه شيء، وأكد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: وما يدريك أنها رقية أي سورة الفاتحة.
وقد دلَّت الأدلة على أن أفضل وأعظم وأبرك المواضع والأمكنة لتدارُّس القرآن وفقهه وتدارُّس معانيه هي بيوت الله قال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}(37-36)سورة النور وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا تنزَّلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده).
فبيَّن صلى الله عليه وسلم فضل الاجتماع لتلاوة كتاب الله، وبيَّن صلى الله عليه وسلم مواضع الاجتماع فقال في بيت من بيوت الله ولو شاء صلى الله عليه وسلم وقد أُوتي جوامع الكلم لقال سوى ذلك.
ويا لها من مناقب عظيمة وفضائل جليلة وأجور كبيرة ورحمة وسكينة وحفوف من ملائكة الرحمن وذكر الله تعالى لهؤلاء القوم الذين ببركة القرآن الكريم وببركة بيوت الله تعالى فازوا وللخير والفضل حازوا.
وقد فقه صحابة النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذه النصوص العظيمة فتسابقوا إلى تلاوة كتاب الله تعالى وتدبُّر معانيه فكانوا رضي الله عنهم لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموا ما فيهن من العلم والعمل فتعلموا العلم والعمل جميعاً.
ولقد كان السلف الصالح رضي الله عنهم يعظِّمون حملة القرآن ويجلونهم كيف لا وقد عظَّمهم الله تعالى بقوله: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} فدلَّ على أن أعظم العلم هو كتاب الله تعالى.
وبهذه العناية بكتاب الله فاز جيل الصحابة بالنصرة والتمكين لأنهم عرفوا مراد الله بكتاب الله فعملوا به وفقهوا كتاب الله على مراد الله ومراد رسول الله صلى الله عليه وسلم فطبقوه وحكَّموه وتحاكموا إليه ولم يهينوه.
وقد توارثت الأمة فقه هذا الجيل الرباني العظيم من خلال مصنَّفات وكتب التفاسير التي عنيت بتفسير كتاب الله تعالى كما فسَّره النبي صلى الله عليه وسلم، وكما فسَّره أئمة الصحابة وأئمة التابعين أمثال تفسير ابن كثير وتفسير الطبري وتفسير القرطبي.
ومن أئمة الخلف من وفق وهدي لفهم كتاب الله تعالى وتفسيره على فقه السلف الصالح مثل الإمام الشوكاني والشيخ عبد الرحمن السعدي والشيخ الشنقيطي - رحمهم الله تعالى جميعاً رحمة واسعة -.
وإن من أعظم فضل الله تعالى وامتنانه على هذا المجتمع في عصرنا الحاضر رعاة ورعية أن وفقهم للعناية بكتاب الله تعالى فهيأ الله من الرجال من كان همه وشغله الشاغل تعليم كتاب الله تعالى وتدريسه أمثال فضيلة الشيخ عبد الرحمن الفريان - رحمه الله - وضاعف له الأجر والمثوبة واقترنت هذه الهمة العالية لفضيلته بوجود أئمة وحكام رضعوا محبة كتاب الله تعالى وتعلموه على يد والدهم المؤسس - رحمه الله - وضاعف مثوبته فشرفوا بإقامة ودعم جمعيات وحلقات ومسابقات تحفيظ كتاب الله تعالى وتسابقوا إلى هذا الشرف العظيم وشرف خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله تعالى ورفع درجته في عليين - بإقامة أكبر وأعظم مجمع عرفه التاريخ لطباعة كتاب الله تعالى وطباعة معانيه بكل اللغات.. هذا السبق الذي يحتل المرتبة الرابعة بعد النبوة والخلفاء الراشدين ومن يعيد الذاكرة يتأكد له أن القرآن الكريم وقبل تأسيس هذا المجمع كان يُطبع في بعض الدول الغربية كدولة ألمانيا وكان لا يخلو أحياناً من الأخطاء والتحريف.
وحاز الملك فهد - رحمه الله - على شرف السبق بوقف كتاب الله تعالى وتوزيعه على جميع أقطار العالم وإهدائه لضيوف الرحمن وحجاج بيت الله الحرام فحصلت بلادنا وبفضل من الله وتوفيق منه وعلى مستوى العالم الإسلامي على المرتبة الأولى في هذا العمل العظيم، وقدَّمت أعظم وأسنا الجوائز العينية والمادية لحفظة كتاب الله والمجودين لتلاوته.
إن أعظم رصيد لنا في حماية أمتنا وحصانة فكرنا وناشئتنا وحفظ ديننا وأخلاقنا وأمننا هو القرآن الكريم حفظاً وتدريساً وعملاً وتطبيقاً على هدي السلف الصالح وفقه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام فهو البرهان الساطع والنور المبين والصراط المستقيم.