إن للحروف ستة عشر مَخرجًا ، ثلاثة منها للحَلق، وثلاثة عشر للفم ، كما أن لها أربعة وأربعين لقبًا ؛ منها : الحروف المهمومسة ، والحروف المجهورة ، والحروف الشديدة ، والحروف الرخوة ، والحروف الزوائد ، والحروف الأصلية ، وحروف الإبدال، وحروف الإطباقِ ، وحروف الاستعلاء، والحروف المنفتحة ، وحروف الاِسْتِفَالِ، وحروف الصفير، وحروف القلقلة، وحروف المد واللين ، والحروف الخفية ، وحروف العلة ، وحروف الإمالة، وحروف الغُنة ، والحروف المكررة، والحرف الجرَس ، والحرف المستطيل ، والحرف المتفشي ،وحروف الذلاقة، والحروف المُصمَتَة(1)، وما إلى ذلك من الألقاب التي تنبع من مكانة الحرف ووظيفته ، وآلة أدائه ومرتبته.
رغم تعدد ألقاب الحروف ووظائفها ، فإن مراتبها لا تخرج عن ثلاثٍ؛ هي:
أ- الحروف الفكرية (=الخيالية)
ب- الحروف اللفظية (= النفسية )
ج- الحروف الرقمية (= البيانية )
وهذه الأخيرة على درجتين :
1 ـ درجة الوضع المفرد : وهي المعروفة بالألفبائية : أ، ب، ت، ث، ج، ح، خ، د، ذ، ر، ز، س، ش، ص، ض، ط، ظ،ع،غ، ف، ق، ك، ل، م، ن، هـ، و،ي.
2 ـ درجة الوضع المزدوج : وهي المعروفة بالأبجدية : أبجد، هوز ، حطي ، كلمن ، سعفص،قرشت ، ثخذ، ضظغ.
ومن الوضع المفرد الحرفُ المركَّبُ(لا =لام ألف)، فيبقى ثمانية وعشرون حرفا على عدد المنازل ، لكل حرف منها خاصية ، بل إن بعضها أكثر خاصية من بعض، فمنها ماله الاتصال القَبْلي ، وليس له الاتصالُ البَعْدِي كالدال والذال والراء والزاي والواو والألف ، وغيرها من الحروف التي لها الاتصالات ، ومنها المتشاكلُ الذي لا يُشبه الفَلَك كرأس الميم والواو، ومنها الذي يشبه الفلك المنظور كالنون .
فكل صنف من الحروف له فضائلُ وأمور تختص به ، فالحرف يُشبه الحرفَ من وجوه كثيرة ، فتارة يُشبهه من جهة الصورة كالباء ، والتاء ، والثاء ، والجيم ، والحاء، والخاء ، والدال ، والذال ، والراء ، والزاي ، إذا عُريت من دليلها الذي هو النقط. وتارة يُشبِهه من جهة أعداد بسائطه كالعَين والغين ، والسين ، والشين ، وكالألف والزاي واللام ، وكالنون والصاد والضاد، ومابقي من حروف يُشبه بعضها بعضا في هذه الحقيقة . فإذا أُخِذُوا من هذه الحروف يَنُوبُ كل واحد عن صاحبه في العمل ، فينوب السينُ عن الشين ، والعينُ عن الغين ، لأن الحرف قد يكون في العمل مُعطيًا معنىً وتفسيرًا ، ومن ثمة يُنظَر إلى شبيهه في البسائط الذي يُعطي ضده ، فيكون بَدَلَه ويَحل محله ، كالهاء والواو مثلا ، فإن بسائطهما واحدة بالعدد ، وأفلاكهما كذلك << فيكون في الشكل حرفُ الواو وهو باردٌ ، والبَرْدُ يُعطي البُطءَ في الأشياء ، وأنتَ تحب السرعة فيها، فتأخذ الهاء بَدَلَه الذي هو حرف حَارٌّ، أو الطاء أو الميم أو الفاء أو الذال>>(2). وكيف ما كان فإن الحرف ؛ سواء من جهة شكله أو جهة أعداد بسائطه؛ له أسرار في جميع مراتبه منها : أن يكون آخره كأوله ، مثل الميم والواو والنون . فالواو هو أول عدد تام ، إذ له من العدد ستة ، وأجزاؤه مثله ، وهي النصفُ (=ثلاثة) والثُّلث (=اثنان)، والسُّدسُ(=واحد). فإذا جُمعَت كانت مثل الكل . فالواو عن أصحاب الحروف يُعطي ما تُعطيه الستة من العدد عن العدديين كالفِيثَاغُورِيّين القائلين بقيام حركة الكون على الأرقام، فحرف الواو مَوَلَّدٌ عن حرفين هما : الباء والجيم ،والباء لها رتبة العقل الأول لأنه الموجود الثاني في الرتبة الثالثة من الوجود ، والجيمُ أول مقامات الفردانية . فإذا ضربتَ الباء في الجيم كان الخارجَ الواوُ، فهي والهاء إذن عَينُ (الهُو)التي يُقال لها (الهُوِّيَّة). فصورة نُطقِ الواو هكذا (وَاوٌ)تُعطي ذلك ، فالواو الأولى واوُ الهوية ، والهاء مُدرَجة فيها اندراجَ الخمسة في الستة فأغنت عنها ، والواو الأخرى واو الكون .
فهُوية الكون هي من هوية الحروف ، وهوية الحروف هي من هوية النفَس الرحماني ، وما يظهر من الاختلاف ليس إلا تنويعا لهذه الهوية الشاملة إذا نظرنا إليها من ناحية الأفلاك والعناصر والطبائع والظلمة والنور والفرَحِ والتَّرَحِ ، فالكون هو هذه المنظومة المتنوعة بجميع تلويناتها ، يُظهرها الحرفُ وتَظهَرُ فيه وكأنها هو ، أو كأنه هي.
1.1 الحروف الأربعة والعناصر الأربعة :
إن اسم الله مُكَون من أربعة أحرف (= ألف، لام ، لام ، هاء) وكذلك اسم محمد، واسم عيسى ، واسم موسى ، واسم داود ، من أربعة أحرف . والكون من أربعة عناصر مُرَتبة من خفيف إلى كثيف : النار أولا ، ثم الهواء ، ثم الماء ، ثم التراب، وتَجمَعُها حروف (نَهِمْتُ).فالنار نِسبتُها واحدُُ، والهواء نسبتُه اثنان، والماءُ نسبتُه ثلاثة ، والتراب نسبُته أربعة . وحيث أن الكون من العناصر الأربعة فإن تربيعَها هو 16 ، وتَكعيبَها هو 64 أيْ طُولُ عرض وارتفاع ، مما يعني أن الكون كله لا يزيد عن 64 موقعًا ، ولأجل ذلك بُنِي علم الرمل على ستة عشر شكلا ، وكل شكل على أربع طبقات ، تُكوِّن بمجموعها 64 طبقة كحالات الكون وطبقاتِه ومواقعِه . وبُنِي عِلمُ الموسيقَى على الأربعة الأزمنة حتى وصل إلى 64 طبقة في الزمن الموافقة لحالات الكون (3) وهذا مؤشر دالٌّ على أن الأربعة هي أُسُّ الكونِ والنُّبوةِ والعلومِ ، وأن دائرةَ هذه كلها هي الدَّالُ.