معرفة أسباب النزول مهمة جدًّا، لأنها تؤدي إلى فوائد كثيرة منها
:1- بيان أن القرآن نزل من الله تعالى؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم يسأل عن الشيء، فيتوقف عن الجواب أحياناً، حتى ينزل عليه الوحي، أو يخفى عليه الأمر الواقع، فينزل الوحي مبيناً له.
مثال الأول: قوله تعالى: ( وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (الاسراء:85)
ففي "صحيح البخاري" (5) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
أن رجلاً من اليهود قال: يا أبا القاسم ما الروح؟ فسكت، وفي لفظ: فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يرد عليهم شيئاً، فعلمتُ أنه يوحى إليه، فقمت مقامي، فلما نزل الوحي قال: { وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي } [الإسراء: 85]
ومثال الثاني: قوله تعالى: { يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَل)(المنافقون: من الآية
،
ففي "صحيح البخاري" (1) أن زيد بن أرقم رضي الله عنه سمع عبد الله بن أُبَي رأس المنافقين يقول ذلك،
يريد أنه الأعزُّ ورسول الله وأصحابه الأذل، فأخبر زيد عمه بذلك، فأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ،
فدعا النبي صلى الله عليه وسلم زيداً، فأخبره بما سمع، ثم أرسل إلى عبد الله بن أُبَي وأصحابه، فحلفوا ما قالوا، فصدقهم رسول الله ؛ فأنزل الله تصديق زيد في هذه الآية؛ فاستبان الأمر لرسول الله
2 - بيان عناية الله تعالى برسوله في الدفاع عنهمثال ذلك: قوله تعالى: { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً) (الفرقان:32)
وكذلك آيات الإِفك؛ فإنها دفاع عن فراش النبي صلى الله عليه وسلم وتطهيرٌ له عمَّا دنَّسه به الأفَّاكون.
3 - بيان عناية الله تعالى بعباده في تفريج كرباتهم وإزالة غمومهم.مثال ذلك آية التيمم،
ففي "صحيح البخاري" (2) أنه ضاعَ عقدٌ لعائشةَ رضي الله عنها، وهي مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فأقام النبي صلى الله عليه وسلم لطلبه، وأقام الناس على غير ماء،
فشكوا ذلك إلى أبي بكر، فذكر الحديث وفيه: فأنزل الله آية التيمم فتيمموا، فقال أسيد بن حضير:
ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر والحديث في البخاري مطولاً
4 - فهم الآية على الوجه الصحيح.مثال ذلك قولهُ تعالى: { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا)(البقرة: من الآية158)}
أي يسعى بينهما، فإنَّ ظاهر قوله: {فلاجناح عليه } [البقرة: 158]
أن غاية أمر السعي بينهما، أن يكون من قسم المباح
وفي "صحيح البخاري" (3) عن عاصم بن سليمان قال: سألت أنس بن مالك رضي الله عنه عن الصفا والمروة، قال: كنا نرى أنهما من أمر الجاهلية، فلما كان الإِسلام أمسكنا عنهما؛ فأنزل الله تعالى: { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ } [البقرة: 158]
إلى قوله: { أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا } [البقرة: 158]
وبهذا عرف أن نفي الجناح ليس المراد به بيان أصل حكم السعي، وإنما المراد نفي تحرجهم بإمساكهم عنه، حيث كانوا يرون أنهما من أمر الجاهلية، أما أصل حكم السعي فقد تبين بقوله: { مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ } [البقرة: 158]
(2) أخرجه البخاري، كتاب التيمم، قول الله تعالى: (فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) حديث رقم (334)، ومسلم، كتاب الحيض، باب التيمم. حديث رقم (367).
(3) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب ما جاء في السعي بين الصفا والمروة، ومسلم، كتاب الحج، باب بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن لا يصح الحج إلا به. حديث رقم (1278).
(5) أخرجه البخاري، كتاب العلم، باب قول الله تعالى: (وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً). حديث رقم (125)، ومسلم، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب سؤال اليهود النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح، وقوله: (يسألونك عن الروح...) الآية. حديث رقم (2794).
(1) أخرجه البخاري، كتاب التفسير، سورة المنافقون، باب قوله: (إذا جاءك المنافقون قالوا إنك لرسول الله) الآية. حديث رقم (4900)، ومسلم، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب صفات المنافقين وأحكامهم. حديث رقم (2772).
اصول في التفسير